يتحدث المفكر الجزائري العظيم مالك بن نبي -رحمه الله- في كتابه (شروط النهضة) عن بعض ردود الأفعال تجاهالمشاكل، ويصفها بالأعمال البطولية التي يكون أثرها في دفع المشكلة بعينها بدوافع دينية وشرفٍ إنسانيَ، من غير محاولة الرجوع إلى سببها ومعالجته،
“فقد كان دور الشعوب الإسلامية أمام الزحف الاستعماري خلال القرن الماضي وحتى الربع الأول من هذا القرن دورًا بطوليا فقط، ومن طبيعة هذا الدور أنه لا يلتفت إلى حل المشاكل التي مهدت للاستعمار وتغلغله داخل البلاد” ،
“ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته مالم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمّق في العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها”.
الأعمالُ البطولية هذه حاضرةٌ في مدافعة مشاكلنا بشكل جليّ، على المستوى التنظيمي الفردي والجماعي، الديني والخُلقي، الثقافي والحضاري، وعندما أريد أن أجدَ أمثلةً لكلام ابن نبي في واقعنا أجدُ أن كثيرًا منها مرتبطةٌ بالجديد، بالتغيير والانفتاح الذي يطرأ على المجتمع أو من داخله، وكثيرٌ من هذه الأعمال البطولية تتجسّد في المنع، باعتبار أنه أسهل وأسرع وسيلة للمدافعة والتحكم، بَيدَ أنّ المنعَ لا يصمدُ طويلًا أمام سيل التغيير الجارف، وسيأتي وقتٌ يصبح فيه الممنوعُ مسموحًا، ويفقدُ الفرصةَ للإصلاح والاستفادة مما يستجدُّ مَن كانت مُتاحةً بينَ يديه، وكذلك من يتّخذُ العقوبات والزّجر والنهي الوقتيّ عن المنكر حلّا لما يراهُ مُشكِلا، لا يعالجُ أساس المشكلة ولكنه يُخفي ظهورها قدر الإمكان، وسيعمَدُ من اعتاد فعل هذا الأمر أو المنكر أن يفعَله بعيدا عمّن يقف في وجهه.
إحدى الحلول التي يقترحها مالك بن نبي -عليه رحمة الله- هي السياسة والفكرة، إذ يقول: “إن الكلمة لمن روح القدس، إنها تُسهم إلى حدّ بعيد في خَلق الظاهرة الاجتماعية، فهي ذات وقعٍ في ضمير الفردِ شديد، إذ تَدخلُ سُويداء قلبه فتستقرّ معانيها فيه لتُحوِّلهُ إلى إنسانٍ ذي مبدأ ورسالة”، “وكان من آثار الكلمة أن بعثَت الحركة في كل مكان، وكشفت عن الشعوب الإسلامية غطاءها، ودفعتها إلى نبذ ما كانت عليه من أوضاع ومناظر، فأنكرت من أمرها ما كانت تستحسن، واتّخذت مظاهرَ جديدة لا تتلاءم حتى مع ثيابها التي كانت تلبسها، فنبذت النرجيلة والطربوش (في مصر) ولقد بلغ تأثير تلك القوة الفعالة الجزائرَ فأخذَت منها بنصيب.
وتحليلُ ابن نبي يأتي عن ردة الفعل تجاه الصمت والسكون على المآسي التي تحدُث في الأمة، وردة الفعل هذه تؤدي إلى التّحرك والنهضة، ولكن تحليله وتوجيهه صالحٌ جدًا للحراك القائمِ أصلًا.
فلنرتفع بفكرتنا إلى الأحداث الإنسانية، ولنتعمّق في فهم العواملِ التي تبني الحضارات وتهدمها، حتى لا يكونُ جُهدنا هباء منثورا.
ما شاء الله كبرنا وصار عندنا مدوّنة :)
جزاك الله خير يامبدع ..